روائع مختارة | قطوف إيمانية | عقائد وأفكار | صراع التقدم لعلمي مع الهوية الجنسية!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > عقائد وأفكار > صراع التقدم لعلمي مع الهوية الجنسية!


  صراع التقدم لعلمي مع الهوية الجنسية!
     عدد مرات المشاهدة: 1965        عدد مرات الإرسال: 0

مع بدايات القرن العشرين، أخذ التطور الطبي والعلمي يسير بسرعة متناولاً كل فروع الطب والعلوم الصرفة وكان للبحوث النفسية والفسلجية المتعلقة بالمعرفة النفسجنسية psychosexual نصيباً كبيراً من جهود الباحثين الغربيين كالأطباء النفسانيين والمتخصصين بعلم النفس ولعل من أبرز هؤلاء العالمان الأمريكيان ماسترز وجونسون اللذان بحثا طويلا في مجال الإضطرابات الجنسية في الأربعينيات من القرن الماضي، وأسسا القواعد الأساسية للعلاج السريري لمئات من الحالات الموثقة مسجلين نجاحاً حسب لهما وصارت نظرياتهما تدرس في المؤسسات العلمية المختصة.

وتزايد الإهتمام بالمعرفة الجنسية مع مرور الزمن وإنتشار الوعي بالإمراض المنقولة جنسياً والقضاء على البعض منها كالسفلس والسيلان قضاء مبرما بظهور العقاقير المبيدة للجراثيم المسببة لها -المضادات الحيوية- وفي ذات الوقت برزت للوجود أنواع أخرى من الأمراض المنقولة جنسياً عصية على العلاج والشفاء بل وتؤدي إلى مضاعفات خطيرة أو الموت كمرض نقص المناعة المكتسب -الايدز- مما أثار إنتباه العالم بأسره إلى ضرورة ايلاء هذا الجانب الجهود والأموال لتطوير البحوث العلمية لأجل إجتثاثه أولاً والاهم من ذلك دراسة أساليب الوقاية والسيطرة على طرق إنتقاله وعلى مستوى أممي وبدأت المعاهد البحثية ومنظمة الصحة العالمية بالسعي لنشر الوعي الصحي والتثقيف العام بهذه الآفة الخطيرة المسماة أحيانا بطاعون القرن العشرين.

ولكن هل يا ترى إنتشار التحرر الجنسي في أجزاء واسعة من العالم مطلع الستينيات، هو لوحده المسئول عن ظهور مرض الايدز أو التهاب الكبد الفيروسي وغيرها؟ ومن أدرانا بخلو الدول والمجتمعات منها في العالم القديم حيث لا تقنية طبية ولا إحصاءات أو دراسات توثق لنا ما كان يحدث؟ فلا يمكن الجزم بشكل واحد للممارسات الجنسية للإنسان منذ العصور ما قبل التاريخ ومقارنتها بما يحدث الآن، فالتوجه البشري نحو الجنس بكافة أشكاله وصوره هو غريزة أساسية عرفتها الحضارات القديمة ودونتها في أثارها الدارسة، وما يعتبر من المحرمات الجنسية في زمان ومكان ما قد لا يعد كذلك بعد تغير الظروف فعلى سبيل المثال كان الزنا بالمحارم -سفاح القربى- الذي حرمته الأديان السماوية الثلاث، كان يعد ممارسة شائعة ومقبولة في بعض المجتمعات الوثنية البائدة وعرف الفراعنة زواج الأخ بشقيقته حفظاً للسلالة الحاكمة كما أشارت الأختام الأسطوانية والألواح الفخارية إلى صور تمثل الآلهة عشتار في بابل 1500 ق.م أو أينانا كما كانت تسمى في الحقبة السومرية 3000 ٌق.م وهي تبارك طقوس البغاء المقدس في معابدها المنتشرة في وادي الرافدين وفي ملحمة كلكامش تظهر أينانا أو عشتار مع الإله تموز أو دموزي في وضع المعاشرة الزوجية ودلت لقى أثرية عديدة على معرفة ومحاولات لعلاج الضعف الجنسي عند الرجال عن طريق تلاوة بعض التعاويذ من قبل الكهنة البابليين وتهيئة جو للزوجين لممارسة ناجحة داخل محراب المعبد الذي كان يشيد قرب النهر الجاري أو حقل مزروع بالقمح لارتباط مفهوم الفعالية الجنسية والخصوبة للإنسان بخصوبة الأرض ونماءها وفي هذا الشأن تحليلات تاريخية عديدة.

أما في العصر الحديث وبعد النهضة الصناعية فقد توجه الإهتمام إلى تحليل الغرائز الجنسية للفرد وإرجاع ما يشوبها من اضطرابات إلى النشأة الأولى أبان الطفولة المبكرة وتأثير الوالدين ومضى العديد من علماء النفس إلى تفسير وتحليل العوامل المؤثرة وتداخل المحرمات الدينية والاجتماعية -التابو- مع تكوين الدوافع الغريزية بشكل بدائي عند الأطفال ثم ثورتها الفسلجية أثناء فترة المراهقة هذا بالإضافة إلى اهتمام الأطباء النفسانيين بأساليب العلاج النفسي غير الدوائي psychotherapy كالعلاج النفسي الإدراكيcognitive psychotherapy أو العلاج المعرفي السلوكي cognitive behavioral أو العلاج التحليلي psychoanalysis وغيره، عدا عن العلاج العقاقيري للإضطرابات الجنسية المصاحبة لبعض الأمراض النفسية كالكآبة والقلق المزمن وداء الهوس الاكتئابي على سبيل المثال لا الحصر.

نشأ الصراع الأخلاقي الديني لدى المجتمعات التي تبنت الثورة التقنية في علم الوراثة والأجنة بعد أجراء التجارب الناجحة في الإستنساخ الحيواني وظاهرة أطفال الأنابيب عن طريق أحداث الإخصاب الصناعي في المختبرات وبنوك للتبرع بالحيوانات المنوية لمن ترغب في الحمل والإنجاب وغيرها وثار الجدل حول شرعية وقانونية هذه الانجازات العلمية ومدى تعادل كفتي ميزان الحسنات مع السيئات أو الآثار السلبية التي قد تنشأ مستقبلاً للجنس البشري وما زلنا لم نلم بكل أثاراها بعد لحداثة ومحدودية أعداد هذه الممارسات والتجارب، وربما ما يعد هو الأخطر والاهم في هذا الصعيد هو ما عرف بالهندسة الجينية والتحكم بجنس المولود من ذكر أو أنثى أو صفاته الوراثية المرغوبة أو غير المرغوبة لما في هذا من تغيير لسنن الحياة المتعارف عليها وغموض الموقف الشرعي والديني وخصوصا في مجتمعاتنا العربية المسلمة حيث يستوجب الفصل في أمور مصيرية كهذه البحث الجاد والمطول للفقهاء والعلماء والمشرعين لأجل الإلمام بكل زوايا الموضوع.

ويمتاز مجتمعنا العربي المسلم بتمسكه بنقاوة النسب والإعتزاز به مما يقف سداً منيعاً في وجه من يدفعه للتفريط به ومن هنا ترسخت العادات والتقاليد العربية التي تحافظ على نسل الرجل وتعتبره موازياً للشرف وإحترام الذات حتى وان كان هذا الفرد يحمل نهجاً علمانياً ليبرالياً.

ونود هنا تسليط الأضواء على زاوية مهمة من الطب النفسي قد لا تكون شائعة من الناحية السريرية لكنها بالغة الأهمية وهي ما يعرف باضطرابات الهوية الجنسية gender identity وهي عبارة عن مجموعة من الأعراض المصاحبة لخلل في الإدراك الذاتي لهوية الشخص المبتلى بها من ذكر أو أنثى مما يؤدي به -كونها تغلب في الذكور- إلى المعاناة النفسية الشديدة والإحباط ومشاعر الإكتئاب الحادة وأحيانا اللجوء إلى مبضع الجراح أو الإنتحار وتتركز أبرزها:

= الهوية الجنسية المعاكسة Transsexuals وتكون نادرة الحدوث ويعتقد أنها ترجع إلى عوامل بيولوجية منذ الولادة قد ترسخها الممارسات التربوية الخاطئة من قبل الوالدين وعادة تحدث لدى الصبيان حيث تبدأ منذ المراهقة علامات النزوع الشديد إلى التشبه بالفتيات وملازمتهن دوناً عن الفتيان حيث يحس الشاب الناشئ بالتقزز من ذكورته وعلاماتها وينتابه شوق جارف إلى أن يكون أنثى شكلا ومضمونا ويشعر أنه أنثى في جسد رجل ويدفعه هذا الميل إلى الأخذ بما تنتهجه النساء من لبس وزينة وتغيير في الصوت والتصرفات وغالباً ما يلجأ إلى إستعمال الهرمونات الأنثوية للتقليل من مظاهر الرجولة وفي الحالات القصوى يتوسل جراحي التجميل لإجراء عملية الإخصاء الكامل للحاق بركب الأنوثة ويرفض أغلب الجراحين أجراء العمليات من هذا النوع لخطورتها ويحيلون المريض إلى الطبيب النفسي وعند أجراء الفحوص الطبية الدقيقة والتحليلات المخبرية يتبين خلوه من أي شائبة بيولوجية في هويته الذكورية الكاملة ودلت بعض الدراسات على قيام هؤلاء الأفراد بالإنتحار بعد أجراء عملية تغيير الجنس إلى أنثى لخيبة أملهم من نتائج الجراحة وضياعهم في متاهات الهوية الجديدة الناشزة وببساطة يكتشف أنه أصبح من الجنس الثالث ولا ينتمي إلى أي منهما مما يطيل في معاناته.

= وهناك حالات أخف وطأة وتعتبر من صنف ما يعرف بالممارسات الجنسية الشاذة sexual perversion disorders حيث وهنا أيضا تشيع في الذكور وتندر في الإناث يميل الرجل إلى إشباع رغبته الجنسية عن طريق ارتداء الملابس الأنثوية وخصوصا الألبسة الداخلية ويكتفي بهذا وفي أغلب الأحيان يعزف عن المعاشرة الجنسية مع النساء تماماً ليعيش في عالمه السري هذا.

أن الحديث يطول ويتشعب في هذا الموضوع المهم وقد لا تكفينا عدة صفحات من أجل الإلمام بكل نواحيه النفسية والطبية والدينية واستقراء أثاره المستقبلية لكننا على أي حال نفتقد إلى الدراسات العلمية الرصينة في وطننا العربي والتي ستسد فراغاً في المعرفة والتثقيف وتفتح الأبواب أمام الوجه المخيف للتقدم العلمي والتقني في علم الجنس البشري والهندسة الوراثية والتلاعب بمصائر الأفراد والشعوب.

الكاتب: د. مها سليمان يونس.

المصدر: موقع المستشار.